دوليةالاخبارأبرز العناوين

الأسرى بين معادلة التحرير والصراع المستمر مع الاحتلال

يعد ملف الأسرى الفلسطينيين جبهة مواجهة مفتوحة مع الاحتلال منذ عهد الانتداب البريطاني وحتى اليوم، وذلك بوصفه عنوانا لصراع الإرادات مع المحتل الإسرائيلي والتزاما وطنيا بإدامة العمل المقاوم.

والفكرة الأساسية في الأمر هي وجود التزام وطني وأخلاقي بين عموم الشعب من جهة وبين من يخاطرون بأنفسهم في سبيل تحقيق حريته وصيانة كرامته من جهة أخرى، ومعادلة كهذه تعزز ديمومة العمل المقاوم، وتوصل رسالة تطمين وتشجيع إلى كل من يريد أن يسلك هذا الطريق.

ومضمون هذه المعادلة أن يكافئ الشعب هؤلاء ويحفظ صنيعهم، فيكرم شهيدهم ويتكفل بأهله من بعده ويداوي جريحهم ويبذل الغالي والنفيس لإنقاذ من يقعون في الأسر منهم ويرعاهم ويرعى أسرهم.

بالمقابل، يسعى الاحتلال إلى كسر هذه المعادلة من خلال ضرب العلاقة بين الشعب ومقاوميه، وتحميلهم مسؤولية الجرائم التي يرتكبها بحق عموم الشعب، وتجريم وملاحقة أشكال التعاطف والإسناد للمقاومين، والتشدد في أي مفاوضات لتبادل الأسرى.

ويظهر هذا السلوك جليا في الخطاب الإعلامي للاحتلال، وفي منعه السلطة الفلسطينية من دفع رواتب الأسرى، وتضييقه على المؤسسات التي ترعى شؤونهم وشؤون الشهداء والجرحى، وفي مساعي إقرار قانون يقيد سقف الثمن الذي يمكن أن تدفعه أي حكومة إسرائيلية في صفقة تبادل للأسرى كما في مشروع قانون “الأسرى والمفقودين” الذي قدمه إلى الكنيست وزير الاستخبارات الأسبق أليعازر شتيرن عام 2018.

يذكر أن الاحتلال يعتمد إستراتيجية مشابهة في ما يخص أسراه الذين يقعون في قبضة غيره، إذ يوجد التزام سياسي وديني تاريخي باستعادة هؤلاء، وهو ما دفعه إلى إجراء 38 عملية تبادل للأسرى مع العرب والفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى نهاية العام 2011 وفقا لما وثقته دراسة نشرتها وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية.

وضع الانتداب البريطاني الأسس القانونية والإجرائية لقمع الفلسطينيين ومصادرة حرياتهم، وفقا لما تذكره الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، بدءا من قانون منع الجريمة الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 1920، والذي أعطى للحكومة سلطة احتجاز أو فرض قيود على الأفراد الذين تشعر أنهم قد يزعزعون السلام، ومرورا بقانون المسؤولية الجماعية عن الجريمة لعام 1921 وقانون منع الجريمة في المناطق القبلية والقرى لعام 1924 وقانون العقوبات الجماعية لعام 1926 الذي وضع الأساس القانوني للعقاب الجماعي في فلسطين الانتدابية.

كما أقرت سلطات الانتداب قانون “جرائم الفتنة” في أكتوبر/تشرين الأول 1929، وبعده بعامين أصدرت الحكومة البريطانية “مرسوم الدفاع عن فلسطين” لتوفير إطار قانوني لاتخاذ إجراءات حاسمة في حالة حدوث “حالة طوارئ” أخرى، حيث كانت للمفوض السامي سلطة الاستيلاء على الممتلكات واحتجاز الأفراد وترحيلهم أو محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، وغيرها من السلطات.

وخلال الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 لجأت السلطات البريطانية مرة أخرى إلى مرسوم مجلس الدفاع عن فلسطين، والذي استكملته أيضا بأوامر أعطت الإدارة المدنية في فلسطين صلاحيات تعادل تلك الممنوحة للجيش بموجب الأحكام العرفية.

وفي نيسان/أبريل 1936 أصدر المندوب السامي عددا من أنظمة الطوارئ التي سمحت لحكومة الانتداب بفرض حظر التجول، ومراقبة المواد المكتوبة، واحتلال المباني، والقيام بالاعتقالات دون إذن قضائي، وترحيل الأفراد بدون محاكمة.

الاحتلال

وبعد انتهاء الانتداب ظلت أنظمة الطوارئ هذه تطارد الفلسطينيين، فبعد إنشاء دولة الاحتلال عام 1948 دمجت الحكومة الإسرائيلية أنظمة الطوارئ لعام 1945، إلى جانب الكثير من قوانين الانتداب في القانون الإسرائيلي من خلال قانون “القانون والإدارة” لعام 1948.

وطبقت هذه الأنظمة على الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، وبالمثل وبعد عام 1967 زعمت دولة الاحتلال أن القانون القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة يشمل هذه الأنظمة، وبالتالي كانت متاحة لفرضها على الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال العسكري الإسرائيلي.

وبهذه الطريقة ظلت أنماط العقاب الجماعي وسلطات “الطوارئ” الموسعة التي استخدمها البريطانيون لاستهداف السكان الفلسطينيين أساسا للنظام القانوني الذي عاش في ظله الفلسطينيون بعد انتهاء الانتداب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى