الاخبارأبرز العناوينمقالات خاصة

“مفاوضات باريس” على حافة الحرب.. هل ينتقل الجنون الإسرائيلي الى الجنوب؟

كتب محمد حمية:

مع كل إشراقة يوم جديد من العدوان الإسرائيلي على غزة، تنغمس حكومة الإحتلال أكثر في وحول المستنقع الغزاوي، حيث حرب الإستنزاف التي وضعت الكيان (جيش وجبهة داخلية وإقتصاد وعلاقات دولية ورأي عام عالمي..) في مأزقٍ كبير لاتزال قيادة الإحتلال تجهل السُبل للخروج منه.
مع إفراغ بنك الأهداف الإسرائيلية في غزة، وتعثّر المفاوضات الجارية حالياً في باريس للتوصل الى صفقة تشمل هدنة وتبادل للأسرى بسبب الخلاف على تفاصيلها بين “إسرائيل” وحركة حماس، ارتفعت احتمالات التصعيد الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية، في ظل تزايد وتيرة تهديدات المسؤولين الإسرائيليين والرسائل الخارجية الى الحكومة اللبنانية لدفع حزب الله لتهدئة الجبهة والإنسحاب 7 كلم بالحد الأدنى نحو شمال الليطاني.
أما الأسباب التي قد تدفع حكومة الإحتلال ورئيسها بنيمين نتانياهو تحديداً للذهاب الى توسيع الحرب على لبنان، فتلخصها مصادر دبلوماسية مطلعة على الواقع الداخبي في “اسرائيل” بالتالي:
إن المأزق الذي يواجهه نتانياهو ومعه أعضاء “الكابينت” في غزة يرسم أمامهم رؤية تقول بإن الحرب على لبنان وسيلة الإنقاذ الأخيرة للحكومة التي تحولت إلى “جثة سياسية” جرى تأجيل إعلان موتها ومراسم دفنها حتى يتم إيجاد البديل لإدارة مرحلة اليوم التالي للحرب على غزة.
يُدرك نتانياهو امتعاض الإدارة الأميركية من الإحراج الذي سببته الحرب على غزة، وكذلك النقاشات الدائرة في دوائر “البيت الأبيض” السياسية والإستخبارية لإحداث تغيير في قيادة حزب الليكود ما يفتح الباب للإطاحة بنتياهو وتكليف رئيس جديد من الليكود لتشكيل حكومة جديدة من دون التيار الديني المتشدد الذي يمثله وزيري الأمن القومي إيتامار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريش، تكون مستعدة لتقبل النصائح الأميركية لكيفية الخروج من الحرب والتأقلم مع اليوم التالي للحرب وفق رؤية إدارة الرئيس بايدن. وهذا يضع نتانياهو بين خيارات صعبة: إما تجرع سم القبول بصفقة التبادل مع هدن طويلة تفتح الباب على وقف دائم لإطلاق النار وفق شروط حركة حماس وقد يدفع ثمنه غاليا بسبب تهديد التيار الديني المتشدد بإقالة الحكومة بحال وافق نتانياهو على وقف الحرب. واما سيواجه رياح التغيير الاميركي في حزب الليكود وبالتالي سيكون خارج المشهد الحكومي المقبل واما تحمل مسؤولية حرب استنزاف طويلة لا يسطتيع تحقيق انتصار فيها ولا تسوية مقبولة لتحالفه مع التيار الديني.
لذلك قد يستبق “مجانين” الحرب في “إسرائيل” وعلى رأسهم نتانياهو الأحداث والخطوات الأميركية المفاجئة، بالهروب الى تصعيد كبير على لبنان أولاً للتعويض عن الهزيمة الكبرى في غزة وفرض أمر واقع على واشنطن وتوريطها بالحرب خاصة بعد انخراطها في الاشتباك قي البحر الاحمر وفي سوريا والعراق.
ووفق مصادر دبلوماسية اوروبية فإنه بحال تعثرت مفاوضات في باريس لإرساء هدنة في غزة وتبادل الاسرى، قد تفتح الأبواب على كافة الإحتمالات بما فيها توسيع الحرب الاسرائيلية على لبنان كآخر الأوراق في جعبة نتانياهو وفريقه او ما يعرف بالطلقة الاخيرة، وقد تمتد الحرب الى المنطقة، إذ أن نتانياهو لم يحقق الحد الأدنى من أهدافه في التسوية المعروضة لحفظ ماء الوجه أمام جيشه وجمهوره ما يبقيه على قيد الحياة السياسية، فإنه يصبح بحاجة الى خطوة جديدة يخرق الشرنقة الغزاوية التي تلتف على رقبته، إذ أن حركة حماس لاتزال تطلق الصواريخ من غزة على “تلأبيب” وتصيب مطار بن غوريون حتى بعد مرور ١١٥ يوماً على الحرب، وبالتالي سيفكر نتانياهو بالعمل خارج غزة وبمدى حيوي آخر ولن يجد سوى الساحتين الجنوبية والسورية، وهذا ما حصل بالعدوان الاخير على السيدة زينب، واحتمال أن يرتكب حماقة غير محسوبة في لبنان، ظناً أنها ستكون المخرج الذي يأتي بحزب الله الى مائدة المفاوضات على الملف الأمني الحدودي ويمكنه بالتالي تحسين شروط التفاوض وانتزاع ضمانات أمنية للشمال في أي تسوية لانهاء الحرب بقرار في مجلس الامن الدولي وبالتالي اعادة أكثر من ١٥٠ ألف مستوطن نزحوا من الشمال ويجري تقديم ذلك على أنه انتصار.
لكن مصلعين على الواقع الاقليمي يشيرون الى أن التصعيد الاميركي – الاسرائيلي الحالي يندرج في إطار رفع السقوف للضغط لتحصيل أكثر الممكن من المكاسب إذ أن الأميركيين وكذلك الإسرئيليين لا يفاوضون على البارد بل على صفيح ساخن، للوصول الى التسوية المثلى التي تحافظ على هيبة الولايات المتحدة والمعادلات في المنطقة ومكانتها العالمية كقوة تسيطر على الممرات المائية العالمية، وبالوقت نفسه، التخفيف من وطأة هزيمة كيان الإحتلال والخسائر السياسية والاقتصاية التي ستبدأ بالظهور بعد أن تضع الحرب أوزارها. مع تأكيد المصادرر بأن واشنطن لا تريد الحرب لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالخشية من توسع رقعة الحرب في المنطقة واستدراج الأميركيين اليها للدفاع عن وجودها ومصالحها في الشرق الأوسط، ومنها ما يتعلق بالخشية على مصير الكيان الاسرائيلي كقاعة عسكرية ونافذة اقتصادية أميركية في البحر المتوسط، وهذا ما أشار اليه السيد حسن نصرالله بأن على الأميركي والغرب الخوف على “اسرائيل” في أي حرب مقبلة وليس على لبنان. وهناك أسباب أخرى تردع واشنطن من خوض حرب كبرى تتعلق بالحرب الاوكرانية – الروسية وضرورات الحفاظ على خط توريد الغاز من المتوسط ومن كاريش تحديدا الى اوروبا، اضافة الى الانتخابات الأميركية، إذ لم يسجل تاريخ الولايات المتحدة أن ذهب رئيس أميركي الى الحرب خارج الولايات المتحدة عند دخول البلاد السنة الانتخابية، خاصة إذا لم يكن النصر فيها مضموناً ومن دون مشروع استراتيجي سياسي كبير كما هي الحال مع المواجهة مع محور كبير يمتد من ايران الى العراق واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين والبحرين المتوسط والأحمر، وأي هزيمة أميركية ستترك تداعيات كبرى على مهابة ومكانة الولايات المتحدة على الساحة العالمية وعلى توازن القوى الدولي، لصالح قوى عظمى منافسة لواشنطن كروسيا والصين وقوى إقليمية مثل كوريا الجنوبية وايران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى