الاخبارأبرز العناوينمقالات خاصة

“مقترح حماس” صدمة تفاوضية لـ”إسرائيل”.. هل يُشكل مخرجاً لوقف إطلاق النار؟

كتب محمد حمية

فيما كانت الأجواء الآتية من الدوحة والقاهرة توحي بإقفال باب المفاوضات والعودة الى الميدان من بوابة الهجوم “الإسرائيلي” على رفح، قدمت حركة حماس مقترحاً لوقف إطلاق النار، في خطوة تُعبر عن ديناميكية ومرونة تفاوضية وقدرة على التحكم بلعبة التفاوض تستند الى ثقة في الميدان في الشهر السادس للحرب على غزة.
ويتضمن مقترح حماس وفق مصادر مطلعة تقسيم الهدنة على ثلاث مراحل تستمر كل منها 42 يوماً. وطلبت حماس انسحاب قوات الاحتلال في المرحلة الأولى من شارعي الرشيد وصلاح الدين لعودة النازحين ودخول المساعدات الإنسانية. أما بخصوص الأسرى فعرضت الحركة مقابل الإفراج عن كل مجندة أسيرة “إسرائيلية” حية 50 أسيراً فلسطينياً، 30 منهم من أصحاب المؤبدات.
كما اشترطت الحركة وفق المقترح إعلان وقف دائم لإطلاق النار مع بدء المرحلة الثانية قبل أي تبادل للجنود الأسرى لديها، كما تضمن البدء في عملية الإعمار الشامل لقطاع غزة وإنهاء الحصار مع بدء المرحلة الثالثة.
خطوة حركة حماس أحدثت صدمة تفاوضية لدى الحكومة “الإسرائيلية” وتضارباً في التصريحات بين من قال إن عرض حماس غير مقبول ومنطقي كما عبر رئيس حكومة العدو بنيمين نتانياهو، وبين من اعتبره قابلاً للنقاش، لكن الإنقسام هو سيد الموقف داخل المستوى السياسي “الإسرائيلي”.
واللافت أنه وفور تسليم قيادة حماس المقترح الى الحكومة القطرية، توجه رئيس الوفد المفاوض “الاسرائيلي” بقيادة رئيس الموساد الى الدوحة لاستئناف المفاوضات وفق ما نقل إعلام الإحتلال، ما يؤكد أن الجانب “الإسرائيلي “ورغم كل المكابرة والتهديد والتلويح بالعمل العسكري، لايزال يتمسك بالمفاوضات كسبيل وحيد للتوصل الى تسوية مقبولة لديه للخروج من المأزق الذي يواجهه. واللافت أيضاً هو مسارعة الإدارة الأميركية لاعتبار العرض مقبولاً ويمكن أن يشكل مخرجاً لوقف إطلاق النار.
مصادر حركة حماس تؤكد أن المقترح يحمل مرونة من قبل الحركة لنزع الذريعة “الإسرائيلية” التي تعزو سبب تعثر المفاوضات الى الشروط العالية السقف التي ترفعها حماس ومن الصعب على “إسرائيل” القبول بها. كما جاء المقترح رغبة من حماس لتسهيل عمل الوسطاء وفتح نافذة لوقف العدوان على غزة والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، لكن المقترح وفق المصادر لا يمس المبادئ والثوابت التي دأبت الحركة على التمسك بها ومن دون التفريط بمكتسبات وإنجازات عملية “طوفان الاقصى” ولا بالصمود الأسطوري خلال أشهر الحرب الهمجية “الإسرائيلية” على غزة.
لكن حركة حماس تُدرك أن “إسرائيل” في مأزق تاريخي ووجودي بعد الزلزال العسكري والأمني والسياسي والمجتمعي في 7 تشرين الأول الماضي، ما وضع الكيان برمته أمام حرب وجودية لا يستطيع بخاصة في ظل التركيبة السياسية الحالية القبول بشروط حماس، لا سيما الوقف الدائم لإطلاق النار والإنسحاب الكامل من غزة وتصفير السجون وفتح الممرات الإنسانية، لأن ذلك يعني إقراراً “إسرائيلياً” مبكراً بالهزيمة الكاملة وما لها من تداعيات كبرى على الكيان “الاسرائيلي” وعلى الولايات المتحدة والمصالح الغربية في الشرق الأوسط.
تدرك حماس أيضاً أن “الاسرائيلي” ليس اللاعب الوحيد في الحرب على غزة، وعلى الرغم من كل الحديث عن خلافات تكتيكية في ادارة الحرب بين الادارة الأميركية ورئيس حكومة الإحتلال، لكن هناك ارتباطاً عضوياً ووثيقاً بين الولايات المتحدة وكيان الإحتلال الذي يشكل نافذة بحرية واقتصادية وقاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وقالها الرئيس الأميركي جو بايدن عندما زار الكيان في بداية الحرب إنه لو لم يكن هناك “إسرائيل” يجب أن نجدها، ولذلك أي هزيمة كاملة للكيان في الحرب ستكون هزيمة أميركية وصفعة قوية للمصالح الأميركية في المنطقة ولمعادلة الردع والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، ما ينعكس بطبيعة الحال على موازين القوى على الساحتين الإقليمية والدولية.
المرونة في تقسيم المطالب الحمساوية، هي سِمة وجوهر المقترح الأخير، لأنه سيمنح الوسطاء مرونة أكبر في تضييق هوامش المناورة “الإسرائيلية” بوقف إطلاق النار والقبول بالتسوية، ويعطي الادارة الأميركية هامشاً أوسع للضغط على حكومة الإحتلال وإحراج نتانياهو لإنزاله عن سلم التصعيد، ومنحه أوراقاً للانخراط بالتسوية أمام ممانعة شركائه في الحكومة لا سيما التيار الديني المتشدد، ويتيح ايضاً لحكومة الإحتلال أمام الرأي العام “الإسرائيلي” اعتبار مرونة حماس تراجعاً في الشروط تحت وطأة القوة العسكرية.
لكن هل يعتبر مقترح حماس السقف الأدنى والأخير الذي تقبل به حماس لكي يلاقيها “الاسرائيلي” في منتصف الطريق؟ أم أن حماس ستظهر المزيد من المرونة حتى تصبح التسوية مقبولة لدى العدو؟.
تشير مصادر حماس الى أن المقترح الأخير هو آخر ما يمكن تقديمه من تسهيل للوسطاء لإقناع العدو بوقف إطلاق النار، واي مرونة اضافية سقفها الثوابت المعروفة: وقف دائم لإطلاق النار، إخراج الأسرى الفلسطينيين من السجون “الاسرائيلية”، انسحاب من غزة، الممرات الانسانية واعادة الإعمار، وأي مماطلة “اسرائيلية” في أية مرحلة من مراحل المقترح يعني سقوط المفاوضات.
لكن “الإسرائيلي” لايزال يراهن على تعب حماس في الميدان ونفاذ مخزونها الصاروخي وضعف قدرتها على المقاومة والصمود تحت وطأة حرب التدمير والإبادة في غزة، ويستمر الإحتلال بالمناورة واختبار القوة العسكرية على قاعدة “ما لم يتحقق بالقوة يمكن تحقيقه بمزيد من القوة”، ولذلك وهو يدرس مقترح حماس ويرسل رئيس وفده التفاوضي الى الدوحة، لكنه في الوقت نفسه يلوح بالعملية البرية على رفح لكي يفاوض حركة حماس على صفيح ساخن وتحت النار. لكن حماس في المقابل تملك ورقتين هامتين وحاسمتين في الحرب: الأولى ورقة الرهائن، والثاني ورقة التفاوض باسم محور المقاومة بكافة ساحاته على قاعدة: توقف العدوان على غزة تتوقف كل الجبهات من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان حتى لو ذهب المحور الى الحرب الإقليمية، اضافة الى قرار لدى الحركة بالاستمرار في الحرب حتى النهاية وعدم الإستسلام رغم كل التضحيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى