الاخبارأبرز العناوينمقالات خاصة

“إسرائيل” ترفع سقف المجازفة

كتب داني مطر:

يمكن اعتبار استهداف مبنى الشؤون القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني فيها، تصعيد نوعي للمواجهة الإسرائيلية ضد إيران وحلفائها انطلاقاً من الساحة السورية، ربطاً بالمواجهة الأكبر والتي سعّرتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفتحت لها أكثر من جبهة مساندة.
واستهدفت “إسرائيل” منذ فترة طويلة المنشآت العسكرية الإيرانية وتلك التابعة لحلفاء طهران في سوريا، وكثفت تلك الضربات بالتوازي مع حملتها ضد حركة حماس في سوريا. ويُعتبر هجوم يوم الاثنين، الأول الذي يتعرض فيه مجمع السفارة الإيرانية نفسه للقصف الإسرائيلي، ما دفع ممثل إيران في الأمم المتحدة إلى القول إن “إسرائيل” “تتحمل المسؤولية الكاملة عن عواقب مثل هذه الجرائم الإرهابية، وتحتفظ إيران بحقها المشروع استناداً إلى القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة في الرد بشكل حاسم على مثل هذه الأعمال الإرهابية”.
لكن يبدو أن الضربات الجوية الإسرائيلية هذه قد دخلت في الأشهر الأخيرة، في ما يشبه حالة تأهب قصوى، مع ضربات على أهداف ذات قيمة عالية بوتيرة متواصلة “تغير قواعد اللعبة”. وعلى الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية على أهداف تتعلق بنقل الأسلحة إلى حزب الله وغيره من الفصائل المدعومة من إيران، تعود إلى عام 2013 على الأقل، فإن القوات الجوية الإسرائيلية تقوم مؤخراً بعمليات متواصلة ومستمرة، خصوصاً منذ السابع من تشرين الأول 2023، تشمل اغتيال مسؤولين إيرانيين، ولم تعد الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا تقتصر على مهاجمة نقل الأسلحة أو مهاجمة مطار دمشق الدولي حصراً. إلا أن خطورة الهجوم الأخير تكمن في أنه استهدف مركزاً دبلوماسياً يحظى بالحصانة الدولية، إلى جانب اغتيال شخصيات عسكرية إيرانية بداخله، وهذا يُؤشر إلى سلوك إسرائيلي أكثر مجازفة في التعامل مع أطراف محور المقاومة منذ 7 تشرين الأول 2023، وتؤشر إلى أن إسرائيل خرجت عن كل قواعد السلوك العسكري المقبولة دولياً.
وأتى هجوم أمس، بعد أيام من ضربات عنيفة نفذتها “إسرائيل” على مواقع قرب حلب فجر الجمعة الماضي، أسفرت عن مقتل عناصر من حزب الله وآخرين من فصائل مدعومة من إيران تقاتل الى جانب الجيش السوري. تزامُن الحدثين يفتح باب التساؤلات عن ربط “إسرائيل” نشاطها ضد إيران في سوريا، بمساعيها لتقييد نشاط حزب الله ضدها خصوصاً على الجبهة الشمالية لفلسطين انطلاقاً من جنوب لبنان، مع تزايد الحديث عن احتمال اندلاع حرب شاملة بين الطرفين ربطاً بتدخل الحزب إسناداً لغزة. ووكان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت توعد بملاحقة حزب الله في سوريا ولبنان. وقال غالانت “سنلاحق حزب الله أينما كان يعمل وسنزيد الضغط ومعدل الهجمات حتى نحقق هدفنا ونحدث تغييراً في الوضع الأمني في الشمال وعودة السكان إلى منازلهم سالمين”.
من هنا، ثمة مَن يعتقد بأن “إسرائيل” تخشى من اندلاع حرب شاملة مع حزب الله على الحدود الشمالية، لذلك تحاول قطع الطريق على تدفق الأسلحة الإيرانية إليه من سوريا، وذلك عبر زيادة وتيرة الضربات الجوية هناك لقطع خطوط الإمداد، وأيضاً التخلص من القيادات الميدانية، إيرانية كانت أو غيرها، مسؤولة عن برامج التدريب والتسليح والإمداد.
لكن من وجهة نظر إيرانية، فإن أغلب الاغتيالات التي تُقدم “تل أبيب” على تنفيذها بحق الإيرانيين تمثل ردة فعل على ضربات تتلقاها من طهران، إنْ في إطار الحرب الأمنية القائمة بين الطرفين ونجاح طهران بتفكيك وكشف العشرات من الخلايا التجسسية الإسرائيلية، أو من خلال وضع محور المقاومة ككل، وقيادتها جبهة متعددة الساحات لمساندة غزة من السابع من تشرين الأول 2023. وترى طهران أيضاً أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد قواتها في سوريا دليل على نجاعة ما تقوم به تلك القوات، مع حلفائها، إسناداً لغزة. وتتوقع أن تستمر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية المرتبطة بالردود على الخطوات الجريئة لإسناد غزة، خصوصاً بعدما نجحت طهران في تكريس المواجهة مع “إسرائيل” خارج الأراضي الإيرانية. إلا أن هذا لا يعني، من وجهة نظر إيرانية، رضوخ طهران لاستمرار سياسة الاغتيالات الإسرائيلية التي وجدت في سوريا مساحة مناسبة للانتقام من “فيلق القدس” الذراع الخارجي للحرس الثوري، مما يفتح المجال أمام الجانب الإيراني وحلفائه للرد على المصالح الإسرائيلية في الإقليم. وبعد اغتيال زاهدي، يمكن القول إن الكرة أصبحت في الملعب الإيراني، الذي توعد بأن يرد على “إسرائيل” “بالأسلوب والمكان الذين يخدما برنامج عمل المحور، ولا يؤثر على تركيز الجهود على مساندة المقاومة في غزة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى