الاخبارأبرز العناوينمقالات خاصة

الردّ الإيراني المرتقب بين الردع والتصعيد

كتب داني مطر:

الجميع في إيران متفق على ضرورة الرد على الضربة الإسرائيلية التي طالت القنصلية الإيرانية في دمشق وأدت إلى مقتل عدد من قادة وعناصر الحرس الثوري الإيراني، على رأسهم الجنرال محمد رضا زاهدي. وقد ظهرت حتمية الرد الإيراني على لسان قائد الثورة علي خامنئي، الذي كتب على حسابه في منصة إكس تغريدة باللغة العبرية قائلاً إن “”إسرائيل” ستندم بإذن الله على جريمة اعتدائها على القنصلية الإيرانية في دمشق”.

وعليه، يترقب العالم نوعية الرد الإيراني ومستواه عقب الهجوم الإسرائيلي، في ظل شبه اتفاق على أن إيران أمام تحدٍّ مزدوج حيال قدرتها على الردّ من جهة، وكيفية تنفيذه من دون إشعال صراع أوسع نطاقاً لا يبدو أن طهران ترغب فيه الآن. خصوصاً وأن الهجوم الإسرائيلي الأخير أتى في سياق عام تسرّع بموجبه “إسرائيل” حملة طويلة الأمد ضد إيران والفصائل المسلحة التي تدعمها.

تعتقد “إسرائيل”، ومعها أميركا، أن طهران لديها خيارات عدة للرد، إذ يمكنها الإيعاز لحلفائها بضرب القوات الأميركية ، أو “إسرائيل” مباشرة، كما يمكنها الذهاب نحو خيار تسريع برنامجها النووي، الذي كثفته منذ أن تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2018 عن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. فـ”تل أبيب” وواشنطن تعتبران أن إقدام طهران على زيادة نقاء اليورانيوم المخصب إلى 90%، والذي يعتبر من الدرجة المستخدمة في صنع القنابل، أو إحياء العمل على تصميم سلاح فعلي، يعني أن طهران تجاوزت ما يمكن اعتباره رداً على عملية دمشق الأخيرة، وبالتالي أمراً يستدعي رداً إسرائيلياً أو أميركياً مباشراً، ما يعني حكماً تحوّلاً دراماتيكياً في المشهد قد يؤدي إلى حرب شاملة. لكن الغربيين بشكل عام، ومن ضمنهم الإسرائيليون، يعتقدون بأنه رغم أن طهران لديها الرغبة الكاملة بالرد لردع المزيد من مثل هذه الضربات الإسرائيلية، إلا أنها مكبلة بحسابات تجنُّب الحرب الشاملة.

لذلك، فإذا ردّت إيران عبر أحد حلفائها، فإنها ستخسر حرب الصورة في الإعلام، وستكون قد تجنبت الرد بنفسها لتفادي الرد على الرد. أما إذا ردت بنفسها على أهداف داخل “إسرائيل” فإنها تخاطر بحدوث مواجهة من الواضح أنها لا تريدها، خصوصا وأن “إسرائيل” ليس من المقبول لديها أن تمرر ضربة إيرانية مباشرة عليها لتكرس بذلك سابقة من نوعها من جهة، تُفشل هذه السابقة استراتيجية “إسرائيل” بضرب الوجود الايراني في سوريا خصوصاً، رداً على ضربات حلفائها لـ”إسرائيل”، من جهة أخرى. وفي ضوء ذلك، تقول التقديرات الإسرائيلية إن إيران قد تلجأ إلى مهاجمة “إسرائيل” نفسها أو السفارات الإسرائيلية أو المنشآت اليهودية في الخارج، ولكل من هذه الخيارات حساباته بالنسبة لـ”تل أبيب”. وهنا، أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية أن “تل أبيب” أخلت 7 سفارات إسرائيلية خشية ردّ إيراني بينها السفارات في البحرين ومصر والأردن والمغرب وتركيا.

لكن لدى إيران وجهة نظرها الخاصة حيال الأمر برمّته. فطهران تبني سلوكها، في إطار صراعها مع “إسرائيل” الذي يهدف في نهاية المطاف إلى تفكيك “إسرائيل” وإزالتها، على أساس تحقيق الهدف من منطلقات استراتيجية، دون أن تسمح لأي عقبة ممكن أن تعرقل تحقيق هذا الهدف. لذلك، في المواجهة الدائرة بين طهران و”تل أبيب”، يقوم سلوك “إسرائيل” على أساس استدراج إيران إلى مربع مواجهة يخرجها عن مقاربتها الاستراتيجية بعيدة المدى، بحيث ترد طهران على استهداف قادتها وأصولها العسكرية والاستراتيجية بما يحدّ من قدرتها على الاستمرار ببناء أصول مشروع التحرير في فلسطين. وفي كل المرات التي كانت فيها “إسرائيل” تحاول إلهاء ايران عن الهدف الأساسي، عبر مواجهات عديدة وبتسميات مختلفة، كانت ردود إيران دائماً تأتي بما يفوّت الفرصة على “تل أبيب” لتحقيق هدفها. خصوصاً اليوم، بعد استنفاد الحملة الإسرائيلية على غزة كل ما في جعبتها من عنف من دون تحقيق أي من الأهداف الكبرى المعلنة للحرب، وعلى رأسها القضاء على حماس، تبدو طهران مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن استهداف قنصليتها في دمشق، من حيث الشكل والتوقيت، إنما يهدف من خلاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى استدراج تغيّرات كبيرة على المشهد العام للمواجهة، يُجبر الولايات المتحدة الأميركية على التدخّل لمصلحة “إسرائيل”، خصوصاً بعدما أثبتت جبهات المساندة تأثيرها الكبيرة على الخيارات الأميركية في دعم حرب نتنياهو ضد غزة من دون شروط وهوامش.

بصرف النظر عن ترجيحات الردّ الإيراني وأشكاله، خصوصاً إذا ما كان الردّ الإيراني سيطال، وبشكل علني، هدفاً داخل “إسرائيل”، للمرة الأولى في تاريخ المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، فإن الكرة في حالة الردّ ستنتقل إلى ملعب بنيامين نتنياهو وحكومته بشكل عام، إذ إن “إسرائيل” من خلال اختيارها أسلوب تعاطيها مع الردّ الإيراني المحتمل ستحدّد مسار الأمور الحالية واتجاهاتها، فإما تختار استكمال مسلسل الضربات عبر الردّ أيضاً بشكل يأخذ المنطقة نحو تصعيد، أو تتحمّل نتائج خطوتها التصعيدية ضد جهة دبلوماسية في دولة ثالثة محميّة بموجب القانون الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى